StockCake-Sorrowful-Crowned-Figure_1719667281-2-574x1024 قصة --- نفساني

قصة — نفساني

كانت تنتابه حالات ذعر وخوف وقلق لا يدري لها مبرراً تقع على رأسه هكذا، من دون أن يدري هو السبب، وتارة تراه في قمة حالات النشوة والفرح والضحك الهستيري والملاطفة والمجاملة.

وحاولت والدته مراراً عرضه على أحد الأطباء النفسانين لكنه كان دائماً يقول لها: أنا أوفر عقلاً من أولئك المعتوهين الذين يضعون لافتات في واجهة عياداتهم باسم طبيب نفساني.

لكن في أحد الأيام قرر إرضاء والدته فذهبا معا إلى الطبيب، كانت عيادة هذا الطبيب تقع في احد الشوراع العريقة في المدينة وكان طبيباً مشهوراً معروفاً لدى الجميع وكان يدعى بالطبيب وليد درس الطب النفسي في احد دول الاتحاد السوفيتي، فعاد إلى بلده بعد غربة طويلة فأراد أن يساهم في دفع ضريبة البلد. وكانت تذكرة الدخول لا تتعدى الجنيهات، كانت عيادته مكتظة بكل أنواع المرضى، من أصحاب الحاجات المالية ومرضى الكلى والسرطان والسكري إلى أولئك الذين يطلبون الدعم لإتمام زواجهم، ومما يستدعي الدهشة أن كل أولئك يجدون شفائهم وتتم نواقصهم كيف؟ لا أحد يدري.

فمنذ الساعة الخامسة صباحاً تجّهز سامي ووالدته. فدخل الحمام وبدأ بحلاقة لحيته ومواستها حتى لا يثير الرعب في نفس الطبيب، وهذّب شعره ومشطه بطريقة توحي بأنه رجلاً جديً، وإن كان في الحقيقة هو رجل لا يعرف الاستهزاء، وارتدرى قميصاً رمادي وبنطال اسود وحذاء اسود ماركته محلية الصنع. فسامي كان من أنصار ودعم الصناعة المحلية، فكل ما يرتديه فهو وطني لا شك، حتى أنه رفض استعمال الهاتف وجهاز الكمبيوتر في بادئ الأمر بحجة أنهم غربين وغريبين في نفس الوقت، فسامي لديه عدواة مستحكمة مع ما كل هو رأسمالي وليبرالي وغربي عموماً، كان شديد الميل إلى ماهو محلي سواء في مجال الفكر أو المنتجات الغذائية والملبوسات، وإن كان يميل إلى قراءة الأدب الروسي، ويفسر ذلك بأن الإنتاج المحلي من الأدب رديء الجودة وكانت له نقاشات عميقة مع صديقه الشاب المثقف ذو الميول الإسلامية التقدمية عبدالله وتارة تنضم إليهم لمياء وهذه ذات ميول ربما مختلطة ما بين الشيوعية والليبرالية، ومع كمية التناقض الكبير بين هذين إلا اتضح في الواقع أن ليماء تنفر من كل ما له علاقة بالدين والغيب والحقائق المطلقة والتصديق الأعمى.

هيا يا سامي لقد حان الوقت صاحت والدته دعيني يا أم أصلي الفجر كان سامي بالرغم من حالات الذعر والفرح التي تتلبسه لا يتهاون ابداً في أداء صلواته، رغم عدم اقنتاعه بهذه الصلوات، ربما كان يؤديها ارضاءً لوالديه، أو ربما أصبحت من العادات التي يصعب التخلي عنها، أو ربما لتفادي شر المجتمع في أن يصفه بالملحد، وان كان سامي لا يدري أهو مسلم حقا؟ أم ملحداً بالكامل؟فهو يقول في نفسه أنا بالطبع لست مسلماً حقاً فلو كنتُ مسلماً حقا لشعرت  بقيمة هذه الصلوات، لكني في نفس الوقت  لستُ ملحداً، فلدي ايمان طفيف أن هناك خالقا لهذا الكون.

هيا يا أمي أنا على أتم الاستعداد لمواجهة هذا النفساني المريض، لا يملكون سيارة وليس لهم جار حتى يملك سيارة، لذا فكان على سامي وأمه خوض مباراة نصف نهائي في الموصلات العامة، فبعد دفاعات وهجمات مرتدة وضربات جزاء وركلات حرة واحتجاجات جماهيرية تمكنا من الفوز بالمباراة وحجزا مقعدين أحدهما على الشباك. وصلا عيادة النفساني المريض، فعند سامي كل طبيب نفساني هو بالدرجة الأولى  مريض. كان مطبوع على لافتة التي طولها حوالي متر وعرضها خمسة وسبعين سم باللون الأحمر د. وليد دكتوراه الطب النفسي والأمراض العصبية وتفاصيل أخرى تحوي رقم الهاتف… …الخ

كانت العيادة تقع في الطابق الأرضي من عمارة مملوكة لأحد المجهولين الذي يأتون من لا مكان لأستلام الإيجارات لا أحد يعرف أين يقطنون ولا أين ينامون فقط يظهرون هكذا، لكن بالطبع فإنهم يعيشون حياة مثل حياة الآخرين. كان دكتور وليد بدأ  بتأجير غرفة واحدة ومعها مظلة صغيرة لكن مع تطور عمله قام بتأجير كامل الطابق.

كان الطابق الأرضي عبارة عن صالة تحوي أربعة غرف كبيرة تقع كل غرفة على زواية مربع المساحة كانت الجدران الخارجية مطلية بلون رمادي هادئ يعبث الاطمئنان والراحة. بينما يوجد في الوسط صالة كبيرة بها عدد من كراسي الانتظار مكتظة بالنساء والرجال والأطفال من كل الأعمار ومن كل المستويات. كانت هناك فتاة أمامها طاولة كبيرة يبدو أنها تدير هذه الجموع المكتظة كانت تردي عباءة سوداء وخماراً أحمر يبدو أنها كانت في نهاية أو ما بعد منتصف الثلاثينات وتساعدها أخرى كانت أصغر منها عمرا وأكثر حركة منها.

سجل سامي أسمه عند الفتاة الصغيرة نعم سامي محمد زين العابدين، بينما كانت الفتاة الكبرى تحاول تنظيم هذه الجموع الكبيرة.

عندما حان دور سامي زاعت الفتاة الكبيرة ذات الخمار الاحمر اسم سامي اكثر من مرة لكن لا احد يجيب، كان سامي منهمكاً في أفكاره وسارحاً في احلام يقظته، فارسلت مساعدتها الصغيرة ذات الحركة الدؤوبة الي أم سامي وقالت لها لقد حان دور ابنك أيتها الخالة، همست والدته في أذنه – إذ كانت تعلم أنه لا يحب الصوت المرتفع – قائلةً: هيا نقابل هذا الزعيم. عاد سامي من خيالاته ونهض معها.

ما إن رأي سامي الطبيب وليد سرعان ما عاد إلى هذيانه وجنونه وتشنجاته وهذه أسوأ من ذي قبل وبدأ بترديد عبارة وليد لن يفعل هذا،  وليد لن يفعل هذا. عندها تدخلت الفتاة ذات الخمار الأحمر وغرزت الحقنة في ذراع سامي الأيسر فغط سامي في ثبات مميت.

لم يفهم احد من الحاضرين ماذا يجري؟ وما هي أسباب تشنجات هذا الشاب الوقور. إلا أن والدته وشخصاً آخر فهما ما جرى. استدعت والدة سامي احد سيارات الأجرة وعادت بأبنها المسكين إلى المنزل وهو في أسوأ من ما كان من ذي قبل.

لا يمكن أن يكون كل هذا مجرد مصادفة قالت والدة سامي لنفسها لا يمكن أن يكون هذا وليد.

كان وليد أعز أصدقاء سامي وكان زمليه دراسته منذ المراحل الابتدائية الأولى فرقت بينهما الجامعة إذ تخصص سامي في علم النفس و هاجر خارج البلاد وانقطعت اخباره عن سامي، بينما عجز سامي عن اكمال تخصصه في مجال الهندسة المدنية. كانت لسامي فتاة يعشقها حد الجنون والهستيريا، وكانت تبادله نفس الاحساس لكن بحياء. كانت قصتهما تملأ فضاءات الجامعة والسوشيال ميديا. لكن شاءت الأقدار أن يتفرقا. وبذل وليد هذا –  إذ كان على دراية تامة بقصة سامي وفتاته –  كل ما يملك من تجربة ومعرفة في سبيل عودة العلاقة بين سامي وفتاته، لكنه فشل. بعد مدة ليست بالطويلة وقع في سمع سامي أن وليد تزوج تلك الفتاة. ومن حينها وهو يردد عبارة وليد لن يفعل هذا وليد لن يفعل هذا.

لمعرفة معنى العنوان نفساني في اللغة العربية الرجاء اضغط هنا

نفساني

قصة قد تعجبك: المرأة التي سمع الله صوتها